يشكّل قطاع الموانئ والخدمات اللوجستية في السعودية ركناً أساسياً ضمن خطط التحول الاقتصادي، إذ تعمل المملكة على تنفيذ «الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية» في إطار رؤية 2030، بهدف تعزيز موقعها كمركز يربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وقد شهدت الموانئ السعودية في عام 2024 نمواً ملحوظاً في أحجام المناولة، حيث ارتفعت الصادرات بنسبة 9.3% لتصل إلى 222.4 مليون طن، ما رفع إجمالي حجم المناولة إلى 334.5 مليون طن، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء، ويعكس هذا التوسع المتسارع الدور المتنامي للمملكة في التجارة العالمية.
في هذا السياق، أجرت «CNN الاقتصادية» مقابلة مع روب هاريسون، الرئيس التنفيذي للشركة السعودية العالمية للموانئ (SGP)، التي تدير اليوم عدداً من المحطات الحيوية في الدمام والجبيل ورأس الخير، وتحدث هاريسون عن خطط الشركة، ورؤيتها لدعم القطاع اللوجيستي في المملكة، ودورها في تمكين التدفقات التجارية والصناعية، مؤكداً أن طموحات الشركة تتجاوز مجرد تشغيل الموانئ إلى بناء ممرات لوجستية متكاملة قادرة على خدمة مشاريع التنمية العملاقة.
الاستفادة من نمو الصادرات غير النفطية
أوضح هاريسون أن النمو القوي للصادرات غير النفطية في السعودية، الذي تجاوز 10% مطلع عام 2025، يعكس فرصاً كبيرة أمام المشغلين اللوجيستيين، وأكد أن محطات الشركة في الدمام والجبيل ورأس الخير مجهزة للتعامل مع مختلف أنواع البضائع الصناعية الثقيلة، من السائبة إلى شحن الدحرجة والحمولات الضخمة، وأشار إلى أن هذا التنوع في الطاقة الاستيعابية يتيح مرونة أكبر لتلبية متطلبات المشاريع الوطنية في مجالات الطاقة والتعدين والبتروكيميائيات.
تكامل الموانئ على الساحل الشرقي
قال هاريسون إن الاتفاقيات الأخيرة التي وقّعتها الشركة مع الهيئة العامة للموانئ عززت موقع SGP كمشغل رئيسي في المنطقة الشرقية، إذ بموجبها ستتولى إدارة أربع محطات استراتيجية متعددة الأغراض تشمل ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، ميناء الجبيل التجاري، ميناء الملك فهد الصناعي بالجبيل، وميناء رأس الخير، وأضاف أن الهدف يتمثل في توحيد معايير الخدمة عبر هذه الموانئ وربطها بشبكات الطرق والسكك الحديدية المؤدية إلى الرياض والمناطق الأخرى، بما يتيح ممرات لوجستية أكثر كفاءة وانسيابية لدعم سلاسل الإمداد.
وأشار إلى أن هذه الجهود تأتي في وقت يشهد فيه القطاع حركة قوية، إذ بلغ عدد السفن التي رست في الموانئ السعودية عام 2024 نحو 8,693 سفينة، تصدرتها جدة الإسلامية بـ3,805 سفن، تلاها ميناء الملك عبدالعزيز بـ1,980 سفينة، وهو ما يعكس حيوية الدور الذي يمكن أن يلعبه الساحل الشرقي في تعزيز ربط المملكة بالأسواق العالمية.
خدمة المشاريع الوطنية والقطاعات الحيوية
شدد هاريسون على أن المحطات الجديدة لا تقتصر أهميتها على العمليات اليومية، بل تمثل عناصر تمكين للمشاريع العملاقة، وقال إن ميناء رأس الخير يشكّل مركزاً محورياً لقطاع التعدين، خاصةً لشركة «معادن» وسلاسل الإمداد المرتبطة بها، فيما تركز موانئ الجبيل على الصناعات البتروكيميائية والثقيلة، أما ميناء الدمام، فيوفر رابطاً مباشراً بالأسواق الداخلية عبر شبكة السكك الحديدية، وهو ما يعزز دوره في دعم المشاريع الكبرى في العاصمة الرياض والمنطقة الشرقية.
وبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء وموانئ السعودية، فقد تجاوزت حركة الشحن العابر (الترانزيت) في عام 2024 نحو 21 مليون طن، أي ما يعادل قرابة مليوني حاوية نمطية، ويعكس هذا الرقم أهمية تطوير محطات متعددة الأغراض قادرة على استيعاب التدفقات العابرة ضمن خطوط التجارة العالمية، وهو ما تسعى إليه الشركة السعودية العالمية للموانئ عبر تعزيز دور محطاتها في الدمام والجبيل ورأس الخير لتكون جزءاً فاعلاً من هذا النمو المتسارع.
اقرأ أيضاً: خلال عام 2024 كميات الشحن الصادرة والواردة عبر موانئ المملكة تتجاوز 331 مليون طن |
الوظائف وبناء القدرات الوطنية
أكد هاريسون أن الاتفاقيات الموقعة ستسهم في خلق مئات الوظائف المباشرة وغير المباشرة، في تخصصات تشمل العمليات والهندسة والسلامة وتقنية المعلومات، وأوضح أن الشركة تضع تمكين الكفاءات الوطنية في صميم استراتيجيتها من خلال برامج تدريب وتأهيل، لافتاً إلى أن «أكاديمية SGP» أُنشئت خصيصاً لبناء جيل جديد من القادة السعوديين في قطاع الخدمات اللوجستية.
وأضاف أن الهدف هو أن يشغل السعوديون أدواراً قيادية وإدارية خلال السنوات المقبلة، بما يعزز مساهمة الشركة في التوطين ودعم مستهدفات التنمية البشرية لرؤية 2030.
التحول الرقمي والتنافسية العالمية
أما في ما يتعلق بالتطورات التقنية، فأكد هاريسون أن الموانئ السعودية باتت رائدة في مجال الأتمتة والتحول الرقمي، حيث يجري تطبيق أنظمة تحكم عن بُعد وأتمتة للبوابات، إضافة إلى استخدام تقنيات متقدمة في تخطيط الساحات. وأوضح أن هذه الابتكارات أسهمت في رفع مستويات الكفاءة التشغيلية والسلامة، لكنها تحتاج إلى استكمال عبر سياسات أكثر مرونة وتكاملاً مع باقي قطاعات الاقتصاد، بما يضمن تعزيز القدرة التنافسية للمملكة على المستوى الدولي.