تحية بحرية...
تمر الأيام وتتوالى السنوات وتبقى قضايا البحارة كأحد أبرز تحديات صناعة النقل البحري فلا سفن تبحر ولا بضائع تُنقل بحرا ولا تجارة بحرية دولية من دونهم ومصير شبكات الامداد بين أيديهم حتى تصل من ميناء شحنها حتى مقصدها البحري النهائي.
وبالرغم من هذا الدور الهام، والحاجة المستدامة إليهم تبرز مسألة ملحة تتطور بشكل ملفت وهي قضية البحارة "المهجورين" المتروكين على متن سفن تخلى عنها ملاكها لأسباب شتى تتبعثر بين أبغض حلالها أنهم أفلسوا، وبين من أتموا الصفقة واختفوا.
أما عن شعور من تم نسيانهم وتجاهلهم وإهمالهم وتركهم على متن قطعة من الحديد العائم، فحدّث ولا حرج أمام الأرقام المقلقة من الاتحاد الدولي لعمال النقل ITFالتي أشارت إلى صورة قاتمة ظهرت في النصف الأول فقط من عام 2025، حيث وثق الاتحاد زيادة بنسبة 30% في حالات التخلي عن البحارة مقارنة بعام 2024.
فقد تم تسجيل 222 سفينة مهجورة، مع أكثر من 2286 بحارا متروكين مع أجور غير مدفوعة تتجاوز 13 مليون دولار أمريكي، وهو ليس رقما بسيطا، بل هو رافد مالي معيشي أساسي لآلاف العائلات المتعلقة حياتهم بمتاهات بعض تجار يحملون صفة ملاك سفن.
للمقارنة، في مثل هذا الوقت من العام 2024، تم تسجيل 172 حالة شملت1838 بحارا، حيث بلغت الأجور غير المدفوعة11.5 مليون دولار. أما اذا اخذنا ناتج العام 2024 بالكامل فسنرى أنه تم الإبلاغ عن312 حالة تخلي، شملت3133 بحارا على متن282 سفينة مختلفة.
الملفت تربع منطقة الشرق الأوسط في المرتبة الأولى في العالم لحالات التخلي عن البحارة مع نسبة 37% من إجمالي الحالات العالمية، تليها أوروبا التي سُجلت 34% من الحالات هناك.
اقرأ أيضاً:كلمة العدد 97: التحديات البيئية في النقل البحري: بين الالتزامات الدولية والواقع العملي |
والملفت أيضا أن ما يقارب من 75% من السفن المهجورة ترفع ما يُعرف بـ"أعلام الموائمةFlag of Convenience "، وهو مصطلح يستخدم للتعبير عن دول لديها ضعف في القوانين البحرية واللوائح وآليات تنفيذها مع حد أدنى من الرقابة على السفن المسجلة فيها، مما يسمح لمالكي هذه السفن بالتهرب من المسؤولية عندما تواجههم أي مشكلة مالية.
الأمر المستغرب وفق ما كشف الاتحاد عن عدة حالات تم فيها إلغاء تسجيل السفينة من علمها أثناء معالجة قضية التخلي! الأمر الذي يزيد من الطين بلة ويترك الطاقم بلا غطاء ودعم أساسي، ويطرح أمر وجوب وجود قانون يمنع تغيير علم السفينة أثناء وجود حالة تخلي وترك للسفينة ومن عليها.
وحتى مع اعتماد المنظمة في العام 2023 لإرشادات موجهة للسلطات البحرية حول كيفية التعامل مع حالات التخلي عن البحارة عبر وضع إجراءات تشغيل قياسية وطنية SOPs بالتعاون مع منظمات البحارة ومالكي السفن، لتحديد المسؤوليات بوضوح، وتوزيع الأدوار بين الجهات المعنية لكنها بقيت إرشادات غير ملزمة للكثيرين من السلطات، وهو واضح من الأرقام المتصاعدة التي ذكرناها سابقا.
ألا يكفي منع البحارة من العديد من الجنسيات من الحصول على تصريح لزيارة البلد التي ترسو فيه السفينة، وهو حق أساسي للراحة الجسدية والنفسية لكنه يبدو أنه أصبح مهددا بالزوال، حيث كشف تقرير أن أكثر من ربع البحارة لا يحصلون على أي تصريح طوال مدة عقودهم، والتي تستمر عادة حوالي 6.6 أشهر.
بين ملاك يهجرون سفنهم ويفلتون من العقاب، وبين دول تمنع عن البحارة حقوقهم الطبيعية، يبقى هؤلاء عالقين على متن السفن رغم الآليات القانونية والمؤسسية التي تكفل ذلك ضمن اتفاقية العمل البحري، مع واقع يشهد أنها فعالة فقط إذا تم استخدامها أو تبقى حبرا على ورق ودروعا وهمية للبحارة، فاستمرار هذا التقاعس لا يهدد فقط الأرواح، بل يضرب صميم صناعة النقل البحري، التي تعاني أصلا من أزمة في توظيف واحتفاظ القوى العاملة.
لقراءة المحتوى كاملا إضغط على الرابط التالي : مجلة ربان السفينة، العدد 98، يوليو/ أغسطس 2025، ص. 7 |