تحية بحرية،
متغيرات جمة حدثت في أواخر العام الماضي في شمال منطقتنا العربية الشامية الجغرافية، وكلنا أمل بالله عز وجل، أن تنتهي مآسي هذا الشرق ويكون مستقبله زاهرا عامرا، تتقدم فيه الإنسانية والعلم والرفاهية على أي أمر آخر.
رغم تلك الحالة من القمع وعدم الاستقرار على مدى عقود، تبقى حقيقة واضحة كالشمس أن مدن الساحل السوري وأبرزها مدينة طرطوس وجزيرة أرواد قد قدّمت عددا كبيرا ولا يستهان به من ملاك السفن وشركات الملاحة البحرية، حيث يعتبر عدد السفن المملوكة للسوريين الأكبر في العالم العربي.
وفي هذا السياق، قليلة هي الإحصاءات والدراسات الجادة حول هذا الموضوع حيث نجد تصريحا ملفتا، إن لم يكن مبالغ فيه، في منتصف العام الماضي من وزير النقل السوري السابق "أن هناك 4273 سفينة يملكها سوريون تجوب بحار العالم حاليا"، فيما تشير بعض المصادر الأخرى إلى أن عدد هذه السفن (المملوكة لسوريين) وترفع أعلاما أجنبية حاليا، يبلغ حوالي 550 سفينة.
حتى تقرير "استعراض النقل البحري" الصادر سنويا عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD، والذي يعتبر مرجعا هاما لفهم التطورات الحاصلة في قطاع النقل البحري العالمي، لا يذكر أي معلومات حول ملاك سفن سوريين لهم أثرهم الواضح في تحريك عجلة الاقتصاد، وإيجاد فرص عمل لآلاف من البحارة السوريين والعرب.
اقرأ أيضاً: كلمة العدد 94: مع تزايد المخاطر الناشئة.. كيف يمكن تعزيز أمن سلاسل التوريد العالمية؟ |
بالطبع لن نجد رقما دقيقا وهناك العديد من الأسباب لذلك، أبرزها أن الكثير من ملاك السفن السوريين قد غادروا البلاد تدريجيا بعد اندلاع الثورة في أواسط شهر مارس/آذار عام 2011، ليس فقط نتيجة لنهج النظام الأمني والقمعي الذي كان يهددهم خلال تلك الفترة الصعبة، لكن بسبب العقوبات التي فرضت على سوريا، والتي أثرت على أعمالهم بشكل كبير وعلى ظهورهم في المشهد البحري الدولي، فانطلقوا نحو العديد من دول العالم ليستقروا فيها واكتسب العديد منهم جنسيات جديدة، إلا أنهم رغما عن ذلك أبقوا على أعمالهم، ولو جزئيا، في بلادهم.
لا شك أن المثل العربي الذي يقول "ربّ ضارّة نافعة" قد فعل فعله هنا، فالانطلاقة نحو العالم ساهم في السنوات الماضية، ولا يزال، في تطوير الخبرات البحرية السورية وصقل كيفية إدارة وتشغيل أساطيل السفن وفق الطرق الحديثة، والتوجه نحو أعمار أصغر وأحجام أكبر وتنوّع أكثر في السفن، والوصول الى خيار بناء سفن متطورة في أحواض عالمية.
كل هذا سينعكس بشكل كبير على قطاع النقل البحري السوري حينما يعود أكثر فأكثر للعمل بعد رفع العقوبات، ليساهم في بناء الدولة وإعادة الاعمار وتعزيز تسجيل السفن في سوريا مرة أخرى ورفع علمها على سفنهم، وفق ما طرحه العديد من ملاك السفن أمام وزير النقل الحالي الذي اجتمع بهم مؤخرا، وأكد على اهتمام وسعي الحكومة لتوسيع وتطوير قطاع النقل البحري، وهي بادرة طيبة.
ختاما، قد يكون من المفيد استحداث جمعية أو نقابة لملاك السفن السوريين على غرار العديد من النقابات أو الجمعيات المشابهة لذلك في دول قريبة كتركيا واليونان، فالحاجة ضرورية ليس بغرض إحصاء عددهم وحجم سفنهم فحسب، بل لتمثيلهم أمام الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، وإيصال صوتهم ومطالبهم، وحماية مصالحهم، وإبراز دورهم، إضافة إلى المشاركة في صياغة التشريعات والقوانين التي تؤثر على القطاع، والعمل على تطويره من خلال تبادل الخبرات، وتقديم الدعم التقني والتسويقي لأعضائها، وتعزيز مكانتهم على المستوى العالمي.
مجلة ربان السفينة، العدد 95، يناير/ فبراير 2025، كلمة العدد، ص. 7