تحية بحرية،

في خضم ما نشهده من جنون وحروب متنقلة تدريجيا بين مختلف أصقاع العالم، ومع ما تخلّفه من ارتدادات قاسية قاتلة على البشرية ومستقبلها في هذا الكوكب، يبقى استخدام الموانئ والسفن التجارية كأحد الأهداف المستحبة، منذ القدم، وعامل حيوي مؤثر في ترجيح دفة ميزان الكر والفر والربح والخسارة، مع إضافة منصات النفط والغاز البحرية كهدف مستجد على قائمة استهداف الأصول البحرية.

من هنا يأتي قطاع النقل البحري في صدارة الأمن القومي لكل بلد، ما يحتّم وضع استراتيجيات أمنية لحمايته وضمان استمرارية الأعمال التجارية وسلاسل التوريد العابرة من خلاله، فالنقل بكافة شرائحه هو عصب الاقتصاد وركيزته.

لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، وما حدث مؤخرا في العملية الجهنمية والمدانة لأجهزة الاستدعاء Pagers واللاسلكي في لبنان أظهرت قصورا فادحا في هذه السلسلة، ليس في لبنان فحسب لا بل في كل المرافق التي انتجت وعبرت بها هذه الشحنات الملغومة حتى وصولها لمستخدمها، ما سيجبر الشركات المعنية على تكثيف الاستثمار في مقومات الأمن في سلاسل التوريد حول العالم.

فقد أثارت الانفجارات التي حدثت في هذه الأجهزة دهشة واهتماما كبيرا حول أمان سلاسل التوريد العالمية ومدى تعرضها للعبث من قبل الحكومات أو أي شركات منافسة أو تدخّل ما لتعطيل الأعمال، ما يشير إلى إمكانية تحويل معدات الاتصالات اليومية إلى أسلحة في المستقبل

اقرأ أيضاً: كلمة العدد 93: مع إلزامية الاتصال بالإنترنت على متن السفن.. ماذا سيشهد قطاع النقل البحري قريبًا؟

ليس ذلك فحسب، بل إن التحدي الذي يواجه المصنعين وشركات الشحن ووسطائه أن سردية تحكمهم الكامل في سلسلة التوريد بأكملها من "الباب إلى الباب" قد أصبحت على المحك، ومزيد من المعرفة والتقييم والتحقق مطلوب لكل من المواد الخام المستخدمة من المورّد والمصنّع، إلى وسائل النقل المختلفة وكيفية التعامل والتعاطي معها، ليتم تفهّم المخاطر التي سيتعرّض لها المنتج قبل وصوله إلى مقصد النهائي.

يرى بعض الخبراء أن أفضل الحلول المتاحة ستكون من خلال المراقبة قبل وخلال عملية الانتاج والتتبع في الوقت الفعلي للبضائع بعد مغادرتها الى مستلمها، وهو الأمر الذي سينعكس على المستخدم النهائي كون التكاليف الإضافية التي ستزداد جراء هذا الأمر مع الخدمات اللوجستية العالمية ستقع على عاتقه، وخاصة مع رغبة المستورد بالبحث عن أقل تكلفة من المورّد أو المصنع المنتج، لكن رغم ذلك ستكون الكلفة أكبر بكثير في حال حدوث حدث مشابه.

ختاما، ومع اعتماد  الشركات للضمانات المقدمة والفحوصات الإضافية لمنع وقوع مثل هذه الحوادث، ما هو الرادع من وضع مواد سامة أو مضرة أو متفجرات في أي نوع من البضائع بعد الآن خاصة تلك  المنتجة من الشركات الصغيرة التي تفتقد الى الإمكانيات للإلتزام بهذه  المعايير الصارمة. وما الذي يمنع تكرار هذا الأمر مع منتجات أخرى منتجة سابقا وتنتظر من يفعلهّا؟ والسؤال الأبرز هو كيف عبرت هذه المنتجات أجهزة الرقابة في المنافذ البحرية والجوية والبرية؟

ننتظر المستقبل مع الأمل الدائم بالسلام.

 

اقرأ أيضاً

 العدد 94 من مجلة ربان السفينة

(Nov/ Dec. 2024)

 

أخبار ذات صلة