تحية بحرية،

أتى دخول نظام الاتحاد الأوروبي لتجارة الانبعاثات EU ETS في مطلع هذا العام حيز التنفيذ، ليزيد من الضغط على شركات الملاحة البحرية التي تمتلك أو تدير أو تشغل سفنا تزيد حمولتها الحجمية عن 5000 طن، حيث حدد الاتحاد هدفا لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 90% بحلول عام 2040، ما يمثل هدفا مختلفا إن لم يكن تحديا، لهدف المنظمة البحرية الدولية التي حددت العام 2050 لذلك.

ففي الأول من فبراير من هذا العام، نشرت المفوضية الأوروبية قائمة رسمية بألفي شركة ملاحية، وأدرجتها بالاسم مع رقم المنظمة البحرية الدولية IMO العائد لكل منها، مع الدولة التي على كل شركة تسجيل حساباتها القابضة للمشغلين البحريين Maritime Operator Holding Accounts MOHAs فيها، وستكمن المسؤولية الرئيسية لهذه الشركات في التحقق من الانبعاثات في شهر مارس من كل عام، ومن ثم التنازل عن المخصصات المقابلة لانبعاثات الكربون بحلول 30 سبتمبر من العام نفسه، وبالتالي سيمثل هذا الحساب الجزء الحيوي من عملية التداول والتنازل عن هذه المخصصات التي تعرف ببدلات الاتحاد الأوروبي (EU Allowances (EUAs للكربون، ويتم تحديد سعرها وفق العرض والطلب.

اقرأ أيضاً:كلمة العدد 90:كيف تقرأ ربان السفينة أحداث البحر الأحمر؟

ببساطة تمثل هذه المخصصات شكلا من أشكال الإذن باستخدام الكربون وهو ممنوح للشركات الملاحية المشاركة في النظام، مما يسمح لها بإطلاق كمية محددة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويمكن تداول هذه المخصصات في السوق، حيث تعكس قيمتها السوقية المتقلبة النفقات المرتبطة بخفض الانبعاثات. أما عند الحديث عن التكاليف القادمة لهذا النظام، ففي حكم المؤكد إن الشركات الملاحية التي ستقصد سفنها المياه الأوروبية ستواجه تكاليف أعلى، ليس ذلك فحسب لا بل حتى محطات الحاويات الأوروبية، التي يعتبر الجزء الأساسي من عملها هو إعادة الشحن (المسافنة) في البحر الأبيض المتوسط، ستقع ضحية المنافسة مع محطات موجودة خارج الاتحاد الأوروبي، والتي ستكون المقصد الأوفر لبعض ملاك السفن كونها خارج مفهوم الالتزام بقواعد EU ETS.

وبالتالي ستحقق شركات النقل البحري التي تختار موانئ شمال إفريقيا وفورات كبيرة، حيث يمكن أن يصل الفارق الاقتصادي بين العمليات البحرية عبر جويا تاورو في إيطاليا وبورسعيد أو طنجة، إلى حوالي 700 مليون يورو سنويا، إضافة إلى إمكانية توقف بعض شركات تأجير السفن عن التجارة في أوروبا نتيجة لهذا الأمر، لكن رغم ذلك سيكون هناك تأثير إيجابي للخطوط الملاحية التي تمتلك أو تشغل سفنا تعمل بأنظمة بديلة للوقود، وبالتالي انبعاثات أقل.

إضافة إلى ذلك، يتحدث خبراء عن أن تقديرات الصناعة تشير إلى كلفة ستصل إلى 100 ألف دولار أمريكي كرسوم إضافية، لكل رحلة ذهابا وإيابا من ساحل الخليج الأمريكي إلى الاتحاد الأوروبي في قطاع الناقلات النفطية، وستتضرر السفن السياحية أيضا بشدة بشكل خاص، لأن احتياجاتها من استهلاك الطاقة يعني زيادة في الانبعاثات وعليه زيادة في الكلفة. بالإجمال سيتعين على صناعة النقل البحري التنازل عما يقرب من 80 مليون EUAs، بمجرد التنفيذ التدريجي الكامل لهذا النظام ومقايضتها بالانبعاثات.

اقرأ أيضاً:كلمة العدد 89: عام جديد ينتظر القطاع البحري.. ماذا في طيّات 2024؟

من الواضح أن هذا النظام كان موجودا منذ سنوات عديدة في صناعات أخرى ولكنه جديد على قطاع النقل البحري، ويصفه كثيرون أنه يستحدث "عالما جديدا" سيحتاج القطاع وقتا للتكيف معه خاصة أنه يحتاج لكثير من التوضيحات، فكيف على شركات النقل البحري الإبلاغ عن انبعاثاتها بحلول نهاية عام 2024 ثم شراء بدلات ثاني أكسيد الكربون في مزاد قبل سبتمبر 2025؟ وعلى أي أساس سيتعيّن عليها تطبيق رسوم إضافية على أجور الشحن بعد يناير 2024 بناء على سعر غير معروف قبل سبتمبر 2025!!

وعليه يتوجب على مالك السفينة التعامل مع شركات ماهرة بتجارة الكربون وتطوير استراتيجية تداول معهم، لأن عدد EUAs ومتى سيحتاجها سيعتمد على كيفية إدارة أعماله، خاصة في حال كان هو الطرف الذي سيشتري، أو إذا كان مستأجر سفينته سيرسل ويتنازل عن هذه المخصصات وما إلى ذلك.

إن التحدي الأكبر حاليا هو رغبة ملاك السفن بمعرفة قيمة هذه المخصصات، واحتساب نفقات كل شهر وكل رحلة، وهذا أمر صعب حقا القيام به.

أخيرا، إن هذا النظام هو أكثر من مجرد لائحة أخرى يجب تطبيقها، فهو تحول أساسي في كيفية التعامل مع الاستدامة في الصناعة البحرية. بل يتعلق الأمر بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتشجيع التكنولوجيات النظيفة، وفي نهاية المطاف، تقليص حجم السفن القديمة والتوجه نحو السفن الحديثة، وهو على الأرجح الهدف الأسمى.

 

اقرأ أيضاً

 العدد 91 من مجلة ربان السفينة

(May/ June 2024)

 

أخبار ذات صلة