تشهد صناعة بناء السفن في تركيا فترة من النمو غير المسبوق، الذي تقوده بالدرجة الأولى التطورات التكنولوجية، وزيادة الطلب العالمي، والالتزام بالاستدامة البيئية. وهذا النمو ينعكس بشكل مباشر على المفاصل الأخرى لهذه الصناعة، لا سيما قطاع بناء القاطرات الذي يعطي تركيا قوة تتميز بها في المنطقة.

في هذا التقرير، ستبحث "ربان السفينة" في التطورات الأخيرة في قطاع بناء السفن التركي، مع التركيز بشكل خاص على تأثيرها على سوق القاطرات، والأسواق الرئيسية للقاطرات التركية، والتحديات في الامتثال التنظيمي، إضافة إلى ديناميكيات المنافسة، وقدرة أحواض بناء السفن.

يؤكد الخبراء الأتراك المتخصصون في صناعة القاطرات، الذين حاورتهم "ربان السفينة" للإطلاع على آرائهم في هذا الموضوع، العلاقة بين نمو قطاع بناء السفن والطلب على القاطرات، مما يسلط الضوء على الدور الأساسي الذي يلعبه هذا النوع من السفن في دعم العمليات البحرية.

يقدم Muhammet Gökhan، المدير العام في شركة Lykia Marine Group، لمحة تاريخية عن صناعة بناء السفن في تركيا، موضحا تطورها على مر السنين والعوامل المختلفة التي ساهمت في نجاح هذا القطاع: "تعود صناعة بناء السفن في تركيا إلى بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ لم يكن هناك سوى 35 حوضا لبناء السفن قيد التشغيل في ذلك الوقت، وارتفع عدد هذه الأحواض إلى حوالي الـ 60 في عام 2010 وحوالي الـ 85 في أوائل عام 2020. وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية العالمية، كان قطاع بناء السفن التركي ينمو ويتطور.

ويحدد Gökhan العوامل المختلفة التي تساهم في نجاح صناعة بناء السفن في تركيا، بما في ذلك معايير الجودة والتحديث والأسعار التنافسية والتسويق الفعال والتعليم والدعم الحكومي، مع التأكيد أيضا على استجابة الأحواض التركية لاحتياجات العملاء واتجاهات السوق العالمية.

المنظور العام

أدت التطورات في صناعة بناء السفن والطلب العالمي إلى زيادة حادة في حجم الإنتاج وتوسيع نطاق السوق. يلفت Ferhat Acuner، عضو مجلس الإدارة والمدير العام لشركة Navtek، إلى التطورات الحديثة في التكنولوجيا والقدرات في صناعة بناء السفن في تركيا، مسلطا الضوء بشكل خاص على القاطرات ذات الانبعاثات الصفرية والعوامل التي تساهم في توسيع السوق.

"في السابق، كانت تركيا دولة مزدهرة في مجال بناء القاطرات، أما الآن فقد أضافت إلى قدراتها تصميم وتطوير القاطرات الخالية من الانبعاثات. في هذه الصناعة، أدت التطورات التكنولوجية الحديثة والصديقة للبيئة مثل الأنظمة الكهربائية، والخبرات، والجودة العالية للتصنيع، والتكاليف المنخفضة، وتقليص وقت تسليم المشاريع بفضل المرافق الواسعة، إلى توسيع نطاق السوق بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة عدد السفن حديثة البناء وتلك التي يتم إصلاحها تتطلب من القاطرات القيام بعمليات القطر الخاصة بها."

وفي معرض مناقشة الاستجابة الاستباقية لأحواض بناء السفن التركية للطلب المتزايد، مع التركيز على تعزيز القدرات، توضح Melis Üçüncü، مديرة المبيعات في شركة Med Marine، أن الشركة وضعت استراتيجية تتماشى مع قطاع بناء السفن المزدهر الذي يؤثر بشكل إيجابي على سوق القاطرات في تركيا.

واستجابة لتطورات السوق، قامت شركة Med Marine بزيادة طاقتها الإنتاجية وتبسيط العمليات لتعزيز الكفاءة.

"نظرا للزيادة المطردة في حركة السفن والحمولة واستثمارات المحطات والموانئ، هناك طلب مواز على القاطرات، لأنها تلعب دورا حيويا مساعدا في الملاحة والمناورة للسفن الكبيرة".

وتضيف: "إن التزامنا بزيادة الإنتاج لا يلبي احتياجات قطاع بناء السفن المتنامي فحسب، بل يدعم أيضا سوق القاطرات، حيث يضمن إنتاجنا الفعال إمدادا ثابتا بهذه السفن الأساسية.

يتيح لنا هذا النمو المتزامن عبر صناعتي بناء السفن والقاطرات تلبية متطلبات كلا القطاعين، مما يساهم بشكل أكبر في القدرات البحرية لبلادنا والقدرة التنافسية العالمية."

من منظور إحصائي، يقدم Gary Dockerty، مدير المبيعاتالشرق الأوسط وأفريقيا في شركةSanmar Shipyards، أدلة على حضور تركيا المتزايد في سوق إنتاج القاطرات العالمية، مما يشير إلى وجود صلة مباشرة بين الزيادة في أنشطة الأحواض التركية لبناء السفن وارتفاع الطلبات العالمية على القاطرات.

"وفقا لمصادر صناعية موثوقة، تم بناء أكثر من 260 قاطرة في جميع أنحاء العالم في عام 2023 ولأحواض بناء السفن التركية حوالي 35% من هذا الإنتاج. علاوة على ذلك، حصلت الأحواض التركية لبناء السفن خلال العام الفائت على معظم طلبات القاطرات وساهمت في هيمنة أحواض بناء السفن الأوروبية على هذه الصناعة، التي تمثل حوالي 40-50% من إجمالي عقود البناء الجديدة.

وإذا استمر هذا الاتجاه، تقدر المصادر أن يترجم هذا إلى معدل نمو سنوي مركب (CAGR) يتراوح بين 5-9% مقابل سجل طلب عالمي للبناء يقدر بنحو 292 مليون دولار أمريكي في عام 2022 إلى 620 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2031."

نمو وتطور

خلال السنوات الأخيرة، شهدت قدرة بناء السفن في الأحواض التركية نموا وتطورا كبيرا. تؤكد Üçüncü قدرة تركيا القوية في مجال بناء السفن، ويعزو ذلك إلى الخط الساحلي الممتد للبلاد والموقع البحري الاستراتيجي.

وتوضح أن الأحواض التركية لبناء السفن تعمل باستمرار على تحسين قدراتها التكنولوجية لتلبية الطلب المتزايد على بناء السفن وتعزيز كفاءة الإنتاج: "إن قدرة بناء السفن في أحواض بناء السفن التركية قوية ومتطورة باستمرار، وقد أدى الموقع البحري الاستراتيجي لتركيا إلى نمو كبير في قطاع بناء السفن.

وبالتالي، تلتزم أحواض بناء السفن التركية بتطوير قدراتها التكنولوجية لمواكبة الطلب المتزايد على بناء السفن وتحسين كفاءة الإنتاج."

بحسب Dockerty، إن القدرة عبر أحواض بناء السفن التركية تتزايد بشكل تدريجي منذ عدة سنوات لمواكبة الطلب العالمي المتزايد، مدفوعا في المقام الأول ببعض العوامل الرئيسية التي ساهمت في زيادة القدرة عبر صناعة بناء السفن وخصوصا القاطرات، مثل التوسع العالمي في التجارة البحرية، والزيادة في حجم السفن - خاصة في قطاع سفن الحاويات، وفي أنشطة النفط والغاز البحرية، وتطوير البنية التحتية الجديدة للموانئ، واللوائح البيئية الصارمة بشكل متزايد، فضلا عن تقادم الأسطول العالمي.

بالأرقام، يسلط Gökhan الضوء على زيادة من 3.5 مليون طن ساكن في عام 2010 إلى 4.65 مليون طن ساكن في أحواض بناء السفن التركية على مر السنين، مما ساهم بشكل كبير في الاقتصاد التركي بأكثر من 1.7 مليار دولار أمريكي من بناء السفن.

ويضاف هذا أيضا إلى بناء سفن مبتكرة للغاية مثل أكبر سفينة لنقل الأسماك الحية في العالم، وأول قاطرة تعمل بالغاز الطبيعي المسال، وأول عبّارة هجينة، وأول سفينة صيد تعمل بالبطاريات والغاز الطبيعي المسال في العالم، وأول سفينة لتحويل الطاقة.

ويذكر Gökhan أيضا أن تركيا أصبحت واحدة من الدول القليلة في العالم التي تبني سفنها العسكرية الخاصة، وهي من بين الدول الثلاث الأولى في العالم في بناء اليخوت.

اقرأ أيضاً:ربان السفينة تناقش الإتصالات على متن السفن وأهميتها كمطلب أساسي في عقود عمل البحارة

أسواق رئيسية

بالنظر إلى هذا النمو، تعتبر صناعة القاطرات التركية مركزا مزدهرا لبناء السفن وتخدم أسواقا رئيسية مثل أوروبا وأمريكا الجنوبية والوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأستراليا وكندا. وبسبب اعتماد هذه المناطق تقنيات منخفضة الانبعاثات ومنعدمة الانبعاثات في صناعة النقل البحري، يزداد الطلب على التكنولوجيا النظيفة في تصاميم القاطرات.

وبما أن صناعة القاطرات التركية قد حددت التكنولوجيا النظيفة كمحرك قوي للنمو، واستثمرت وفقا لذلك، يقول Dockerty أن هذا يفسّر قوة هذه الأسواق في الجو العام الحالي للسوق، ويوضح قائلا: "ارتفعت عملية إزالة الكربون إلى قمة جدول الأعمال في صناعة القاطرات حيث يتم تسليم القاطرات التي تعمل بواسطة البطاريات والدفع الكهربائي أو الهجين لخفض الانبعاثات، بما في ذلك اعتماد أنواع الوقود البديلة.

وفي هذا الصدد، قامت شركة Sanmar Shipyards وحدها بتسليم خمس قاطرات من سلسلة ElectRA تعمل بواسطة البطارية الكهربائية بالكامل لعملاء في أمريكا الشمالية والجنوبية، ومن المقرر تسليم قاطرتين من النوع نفسه إلى مالكي سفن أوروبيين في الربع الأول من عام 2024.

من وجهة نظرها، تقول Üçüncü إن صناعة القاطرات التركية تلبي احتياجات مجموعة واسعة من الأسواق العالمية، مما يضمن أن المسافة الجغرافية ليست عاملا مقيدا، حيث تمتلك أحواض بناء السفن التركية القدرة على التكيف مع متطلبات العملاء المتنوعة. بالنسبة لأحواض بناء السفن التركية، تتيح هذه المرونة في التصنيع الوصول إلى العملاء عبر القارات وتقديم حلول مصممة خصيصا لتلبية احتياجاتهم الفريدة.

منافسة

ومن ناحية أخرى، على الرغم من أن تركيا حققت خطوات ملحوظة في قطاع بناء السفن على مدى السنوات الخمس الماضية، ودفعت نفسها لتصبح خامس أكبر دولة في العالم في مجال بناء السفن، إلا أن البلاد تواجه منافسة هائلة في قطاع بناء القاطرات.

وفقا للخبراء، تأتي المنافسة الرئيسية من دول مشهورة بخبرتها البحرية، مثل هولندا، بالإضافة إلى لاعبين رئيسيين في بناء السفن مثل الصين وكوريا واليابان من الشرق الأقصى، ويساهم المتنافسون الناشئون مثل فيتنام في المشهد التنافسي. في أوروبا تحديدا، تتنافس دول مثل رومانيا وإسبانيا وإيطاليا أيضا مع تركيا في بناء القاطرات، حيث تجلب كل منها نقاط قوتها وقدراتها إلى السوق.

على الرغم من التقدم المثير للإعجاب الذي حققته تركيا، يعتقد خبراؤنا أنه يجب عليها أن تتنقل في بيئة تنافسية شديدة تشكلها عوامل مثل تكاليف العمالة، والابتكار التكنولوجي، ومتطلبات السوق.

تشريعات المنظمة البحرية الدولية

من منظور تشريعي، قد يكون الامتثال لتشريعات المنظمة البحرية الدولية تحديا في ما يخص بعض العوامل كنوع السفينة، البنية التحتية والتكنولوجيا المتوفرة، إلا أن التطور التكنولوجي وتأقلم الصناعة ساعدا في الامتثال والتوافق مع معايير المنظمة، حيث يعتقد البعض أن الأمر أصبح أمرا روتينيا يسهل التعامل معه.

من وجهة نظر Dockerty، يمكن أن يشكل الأمر تحديا بسبب قلة المساحة للمعدات الإضافية، ما قد يؤدي إلى اعادة تقييم التصميم الأولي، ويعتبر أن تخطي العوائق الأولية المتعلقة بالتكنولوجيا المتقدمة لم يعد أمر كبير، ومع الطلب المتزايد على القاطرات التي تفي بمعايير الانبعاثات الخاصة بالمنظمة البحرية الدولية من المستوى الثالث، أصبح دمج التكنولوجيا في التصميم والتشغيل عملية روتينية.

لا شك أن مواجهة التحديات أمر طبيعي داخل الصناعة، لذا تؤكد Üçüncü ضرورة مراقبة التطورات العالمية باستمرار والتكيف وفقا لذلك. وهي تسلط الضوء على أهمية البقاء على اطلاع دائم بالتقدم التكنولوجي لدمج تقنيات خفض الانبعاثات مثل الأنظمة الهجينة والكهربائية والميثانول وخلايا الوقود.

وتشير Üçüncü في هذا الجانب، إلى تصميمات محددة من Med Marine مثل سلسلة VoltRa، التي تقدم خيارات كهربائية وهجينة كاملة، الأمر الذي يدل على الالتزام بالابتكار وخفض الانبعاثات.

ومع ذلك، فإن تلبية معايير المنظمة البحرية الدولية من المستوى الثالث لا يمثل مشكلة مهمة بالنسبة للسفن الحديثة، حتى بالنسبة للسفن الأصغر حجما، بحسب Gökhan، الذي يعتقد أن صانعي المحركات استثمروا بشكل كبير لتزويد المصممين بخيارات متنوعة، مما يسهل الامتثال للوائح الانبعاثات الخاصة بالمنظمة من المستوى الثالث. ويقر أيضا بأن بعض أعمال التصميم قد تكون ضرورية لاستيعاب معدات إضافية مثل وحدات التخفيض التحفيزي الانتقائي (SCR) وخزانات اليوريا.

الأداء

من خلال مناقشة الأداء العام والكفاءة لتصميم السفن الحديثة، مع الأخذ في الاعتبار استهلاك الوقود والمتانة والتأثير البيئي، يؤكد Acuner أن التصميمات الصديقة للبيئة هي أولوية قصوى في تصميم السفن الحديثة، مع التركيز على الانتقال إلى الدفع الكهربائي واختيار أنظمة الطاقة المستدامة للتقليل من التأثير البيئي مع تحسين الأداء والكفاءة بشكل عام.

ويسلط الضوء على عدة عوامل رئيسية في هذا الشأن: "يضمن تصميم الهيكل الديناميكي الهوائي والتحليل الهيكلي المحترف استهلاكا منخفضا للوقود عن طريق تقليل مقاومة الماء.

يمكن أن يساعد استخدام المعدات خفيفة الوزن والمواد العالية الجودة في تصميمات السفن أيضا على زيادة الأداء العام وعمر السفينة، وتستطيع أنظمة التحكم التلقائي، وتقنيات التنبؤ بالرياح وأنظمة إدارة الطاقة الذكية، تحسين كفاءة الطاقة من خلال تحسين ملاحة السفن.

وفي السياق نفسه، فإن استخدام محركات أكثر كفاءة وصديقة للبيئة تؤدي إلى تقليل التأثير البيئي عن طريق تقليل استهلاك الوقود. كل هذه النقاط واضحة لتطوير المشاريع الجديدة، ولكن الأمر الأكثر أهمية اليوم هو التصاميم الصديقة للبيئة، ويعد الانتقال إلى الدفع الكهربائي أمرا إلزاميا لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.

في المستقبل، من المؤكد أن جميع المحركات الأساسية لأنظمة الدفع ستكون محركات كهربائية، وهنا لا بد من التركيز على الاختلافات بين الأنظمة الجديدة فيما يتعلق بالكهرباء وأنظمة الطاقة: البطاريات، أو نظام خلايا وقود الهيدروجين، أو الأمونيا، أو مولدات حرق الميثانول وما إلى ذلك لإنتاج الكهرباء."

التدريب

كنظرائهم في المجالات الأخرى يعطي المتخصصون في صناعة القاطرات الأولوية للاستثمار بالأشخاص للنمو والتطوير المهني لتعزيز مهارات أعضاء فريقهم. وفي هذا السياق، يقول Acuner إن التوسع في قطاع بناء السفن في تركيا يتطلب قوة عاملة أكبر، الأمر الذي يعني زيادة التدريب في هذا القطاع، وزيادة عدد المدربين والفرص التعليمية في المدارس المهنية والجامعات مع مرور الوقت. وقد أدى هذا التركيز على الكفاءة التكنولوجية إلى تسهيل عملية التوظيف بشكل أكثر سلاسة.

وفي هذا الصدد، يؤكد Dockerty أهمية وضرورة البرامج التدريبية الشاملة لتطوير المهارات في مجال بناء السفن، التي تغطي التقنيات التقليدية والتكنولوجيا الحديثة، وتستفيد من أجهزة المحاكاة والواقع الافتراضي لممارسة المهارات بشكل سالم.

وهناك أولوية للتدريب أثناء العمل والتعلم المستمر، بالتعاون مع شركاء الصناعة للبقاء على اطلاع دائم بكل المستجدات. وكذلك الأمر، تساهم برامج منح الشهادات في تقوية المهارات، في حين تعمل التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي على تعزيز المشاركة والتغييرات السلوكية في التدريب.

مجلة ربان السفينة، العدد 90، مارس/ أبريل 2024، موضوع العدد، ص. 16

 

اقرأ أيضاً

 العدد 90 من مجلة ربان السفينة

(Mar./April 2024)

 

أخبار ذات صلة