للعام الثالث على التوالي، يقوم البنك الدولي وبالتعاون مع S&P Global Market Intelligence بنشر تقرير عن المؤشر السنوي لأداء موانئ الحاويات حول العالم، والتقرير هو الثالث بعد نسختي 2020 و2021، وقد طرأ تعديل بسيط على عنوان النسخة الثالثة بالمقارنة مع النسختين الأولى والثانية ليُصبح "مؤشر أداء موانئ الحاويات بالاعتماد على زمن مكوث السفن في الميناء."

التقرير أو المؤشر مُهم وذلك لأن الموانئ البحرية تُشكل عنصرا أساسيا في سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، وتُعد كفاءة البنية التحتية لموانئ الحاويات عاملا حاسما في كلفة النقل. بحسب البنك الدولي فإن التقرير أو المؤشر يهدف إلى جعله نقطة مرجعية لأصحاب المصالح الكبرى في الاقتصاد العالمي بمن فيهم الحكومات الوطنية، وأصحاب المصلحة في التجارة الدولية وسلاسل الإمداد والتوريد من القطاعين العام والخاص، مرورا بسلطات الموانئ البحرية ومشغليها، ووكالات التنمية، وصولاً إلى المستهلكين.

بعد مضي أيام من صدور النسخة السابعة من مؤشر الأداء اللوجستي العالمي، أصدر البنك الدولي في منتصف شهر مايو 2023 النسخة الثالثة من المؤشر/التقرير السنوي لأداء موانئ الحاويات، والذي تألف من 89 صفحة، ولقد أظهر المؤشر أن موانئ قارة آسيا وموانئ شمال أفريقيا هي الأفضل أداء من غيرها، من حيث الاستجابة للنمو الكبير في حجم الأنشطة بها، حيث جاءت في المراكز الأثنتي عشرة الأولى عالميا (باستثناء الخامس).

فكرة المؤشر العالمي لأداء موانئ الحاويات ليست جديدة، إلا أن صحة وموثوقية البيانات كانت دائما هي العائق أمام إنجاز مثل هذه الأعمال، ويعتمد المؤشر على معرفة الزمن الفعلي بين وصول السفينة ومغادرتها من الرصيف، ويقيس المؤشر الأداء من تصنيف/منظور: عام، وإداري، وإحصائي، ويتضمن مجموعتين هما مجموعة Ship size group، ومجموعة Call size group، ويتم تجميع البيــانات في المؤشــر مــن مصدرين مختــلفين هما: بيانات الخطوط الملاحية، وبيانات أجهــزة التــعريف الــذاتي للســفن  AIS ، وقد اقتصر مؤشر العام 2022 على 348 ميناء فقط، منها 14 ميناء دخلت المؤشر/ التقرير لأول مرة. 

في حقيقة الأمر، إن الرقم 348 هو أقل بقليل من عدد الموانئ التي شملها التقريران السابقان والتي كانت عند 406 و 443 ميناءا في 2020 و2021 على التوالي، كما أوضح تقرير العام 2022 أن 110 موانئ قد حسنت مركزها مقارنة بالعام 2021، وفي المقابل فإن أكثر من 200 ميناء قد تراجع إلى مراكز أقل بالمقارنة مع العام 2021، وقسّم مؤشر العام 2022 السفن حسب حمولتها إلى خمسة أحجام:- بحيث كان أصغرها هو سفن بحمولة أقل من 1500 حاوية نمطية TEUs والتي شكلت 10% من نسبة السفن التي زارت الموانئ التي شملها التقرير، وأوسطها بين حمولة 1550 و5000 حاوية نمطية والتي شكلت أكبر نسبة وعند 46% ، في حين أن السفن التي تحمل 13000 حاوية نمطية أو أكثر هي أكبر السفن حجمًا والتي شكلت أقل من 10% من نسبة السفن التي زارت الموانئ التي شملها التقرير.كما قسّم مؤشر العام 2022 الموانئ بحسب عدد الحاويات التي تناولها كل ميناء إلى موانئ كبيرة وهي تلك الموانئ التي ناولت أكثر من 4 مليون حاوية نمطية TEUs سنويا: وجاءت موانئ يانقشان وصلالة وخليفة وطنجة المتوسط وتانجونق في المراكز الخمسة الأولى عالمياً على التوالي. 

أما الموانئ المتوسطة فهي تلك الموانئ التي ناولت بين نصف مليون و4 مليون حاوية نمطية، وفيه جاءت موانئ قرطجنة وحمد وبورسعيد وماوان ويوكوهاما والملك عبدالله في المراكز الستة الأولى على التوالي، أما الموانئ الصغيرة فهي الموانئ التى ناولت أقل من نصف مليون حاوية نمطية، وفيه جاءت موانئ كونل ويارميكا وايتابوا وتناريف وخليفة بن سلمان في المراكز الخمسة الأولى على التوالي.

 

اقرأ أيضاً: رأي العدد 86: قراءة لمؤشر البنك الدولي للأداء اللوجستي العالمي للعام 2023

 

الترتيب العام
لقد شهدت موانئ العالم انتعاشا في معدل مناولة الحاويات بسبب التعافي من آثار جائحة كورونا، ولفت مؤشر العام 2022 إلى وجود تفاوت كبير في كفاءة موانئ الحاويات العالمية، وفي كل الأحوال فقد حققت الموانئ الآسيوية وموانئ شمال افريقيا أفضل أداء، وجاء ميناء يانقشان الصيني أولا في مؤشر 2022 بعد أن كان رابعًا في مؤشر 2021، في حين حافظ ميناء صلالة العُماني على مركزه الثاني، وتقدم ميناء خليفة إلى المركز الثالث بعد أن كان خامسا في مؤشر 2021، وبالمثل تقدم كل من ميناء طنجة المتوسط إلى المركز الرابع بعد أن كان سادسا في تقرير 2021.

في تقرير العام 2022 صعد ميناء قرطجنة الكولومبي إلى المركز الخامس من المركز الثاني عشر والذي حققه في 2021، وهبط ميناء تانجونق الماليزي من المركز السادس إلى المركز الثامن عشر، وحافظ ميناء نينق بو الصيني على مركزه السابع عالميا، في المقابل هبط ميناء حمد القطري من المركز الثالث إلى الثامن، فيما حافظ ميناء قوتنق زوو على مركزه التاسع عالميا، وتقدم ميناء بورسعيد المصري إلى المركز العاشر في تصنيف 2022 صعودا من المركز الخامس عشر، وجاء ميناء هونغ كونغ في المركز الحادي عشر، يليه ميناء كاي ميب من دولة فيتنام في المركز الثاني عشر، وحل أكبر موانئ الترانزيت في العالم وهو ميناء سنغافورة في المركز الثامن عشر.

من الملاحظ في مؤشر العام 2022 هو تراجع كل من:- ميناء الملك عبد الله إلى المركز السابع عشر بعد أن تصدر المؤشر في العام 2021، وتراجع ميناء جدة إلى المركز 29 عالميا بعد أن كان في المركز الثامن في العام 2021، وميناء يوكوهاما في المركز الخامس عشر عالميا بعد أن كان في المركز العاشر في 2021، وميناء Algeciras في المركز 16 عالميا بعد أن كان في المركز الحادي عشر في مؤشر 2021، وبذلك يكون هو الثالث في حوض البحر الابيض المتوسط والأول في قارة أوروبا. ومن الملاحظ أيضا أن ميناء صلالة العُماني قد حافظ على مركزه العالمي الثاني للعام الثاني على التوالي وبذلك يكون هو الميناء الأول عربيا، أما ميناء طنجة المتوسط فجاء في المركز الرابع عالميا والأول في حوض المتوسط وأوروبا، وهذا ناجم عن زيادة استخدام التكنولوجيا الرقمية والتي جعلت من هذا الميناء رائداً في خدماته وسُمعته العالمية ضمن سلاسل الإمداد والتوريد العالمية. كما أظهرت موانئ أمريكا اللاتينية تحسنًا في أدائها خلال عام 2022، فبالإضافة إلى المركز المتقدم الذي أحرزه ميناء قرطجنة الكولومبي، فقد جاء ميناء بوسورجا الإكوادوري في المركز التاسع عشر عالميا.

 

اقرأ ايضاً: في نظرة على سوق النقل البحري، يناقش رأي العدد 85 تطور ونمو سفن نقل البضائع المبردة

 

التصنيف الإداري
بحسب التصنيف الإداري أو التنظيمي لعدد 348 ميناء حاويات حول العالم والتي شملها تقرير العام 2022، فقد تصدره ميناء يانقشان الصيني، يتبعه ميناء صلالة العُماني ثم ميناء خليفة الإماراتي ثم ميناء قرطجنة الكولومبي، في حين جاء ميناء طنجة المتوسط في المركز الخامس وميناء تانجونق الماليزي سادسا، يليه ميناء نينقبو الصيني ثم ميناء حمد القطري، يليه ميناء قوانق زوو في المركز التاسع ثم ميناء هونغ كونغ في المركز العاشر، في حين جاء ميناء بورسعيد المصري في المركز الحادي عشر.

من الملاحظ أن أغلب الموانئ التي تصدرت هذا التصنيف هي موانئ شرق آسيا والخليج العربي وموانئ حوض البحر المتوسط، كما أن الموانئ التي حلت في المراكز العشرة الأولى خلال 2022 (باستثناء ميناء صلالة) قد تحسنت مراكزها بالمقارنة مع 2021، ومن الملاحظ أيضًا تقدم ميناء جدة السعودي في التصنيف الإداري من المركز 34 إلى المركز 28 والذي حققه في 2021، في مقابل ذلك تراجع ميناء الملك عبدالله في التصنيف الإداري من المركز الأول في 2021 إلى المركز السادس عشر في 2022.

التصنيف الإحصائي
من جانب آخر، وبحسب التصنيف الإحصائي للموانئ التي شملها التصنيف الاداري، فقد تصدر ميناء يانقشان الصيني التصنيف يتبعه ميناء صلالة العُماني ثم ميناء خليفة الإماراتي، في حين جاء ميناء طنجة المتوسط في المركز الرابع وميناء تانجونق الماليزي خامسا، يليه ميناء قرطجنة الكولومبي ثم ميناء حمد القطري سابعًا، يليه ميناءا نينقبو وقوانق زوو الصينيين، في حين جاء ميناء بورسعيد المصري في المركز العاشر. بالمثل فإن أغلب الموانئ التي تصدرت التصنيف الإحصائي هي موانئ شرق آسيا والخليج العربي وموانئ حوض البحر المتوسط، كما أن الموانئ التي حلت في المراكز العشرة الأولى خلال 2022 (باستثناء ميناء صلالة) قد تحسنت مراكزها بالمقارنة مع 2021.

ختاما، إن الموانئ ذات الأداء الجيد ستتمكن من تسهيل الاستثمار في أنظمة الإنتاج والتوزيع، ودعم توسيع التصنيع والخدمات اللوجستية، وخلق المزيد من الفرص، وستتمكن من رفع مستويات الدخول والعوائد، وفي كل الأحوال فإن تطوير البنية التحتية عالية الجودة للموانئ هو شرط أساسي لنجاح إستراتيجيات النمو الموجهة نحو التصدير، في حين أن الموانئ ذات الأداء الضعيف تُكبلها قيود في الكفاءة التشغيلية، مع انعدام الرقابة الكافية، ووجود ضعف/ خلل في التنسيق بين كل الأطراف.

مجلة ربان السفينة، العدد 87، سبتمبر/ أكتوبر 2023،رأي - بقلم الدكتور عبدالله ونيس الترهوني، ص. 50
 

 

اقرأ أيضاً

 العدد 87 من مجلة ربان السفينة

(Sept./ Oct. 2023)

 

أخبار ذات صلة