تناول نادي تأمين قطاع النقل العالمي واللوجستيات TT Club خلال اصداراته السابقة (TT Talk) موضوع إجهاد القوى العاملة البحرية، وهو الموضوع الذي تم النظر فيه في سياق جائحة كورونا. إلا أنه يبقى عاملا مهما في الحفاظ على سلامة الناس وحماية المعدات والممتلكات.

ليس من السهل تحديد أو قياس أو مراقبة الإرهاق والتوتر، وهذا ما قد يكون إحدى التحديات الأساسية. إذ تنعكس علامات التعب والإجهاد على الشخص من خلال العصبية والاكتئاب وفقدان الشهية وزيادة التعرض للمرض، لذلك يصبح الوعي فيما يتعلق بأعراض وآثار التعب أمرا بالغ الأهمية في إدارة مخاطر مكان العمل.

ما هو الإرهاق؟
الإرهاق هو انخفاض في الأداء العقلي و/أو البدني نتيجة المجهود المطول، أو قلة النوم الجيد، أو اضطراب ساعة الجسم أو فترات طويلة من التوتر أو القلق. يمكن وصف الإرهاق بأنه حالة حادة أو مزمنة. الإرهاق الحاد، الذي ينتج غالبا عن قلة النوم على المدى القصير أو فترات قصيرة شديدة من عبء العمل الثقيل، يمكن عكسه بسهولة عن طريق النوم والاسترخاء. أما متلازمة الإرهاق المزمن هي حالة إرهاق أكثر شدة، ولا يمكن ازالتها بشكل فوري من خلال الراحة.

الإرهاق هو مصدر قلق لأولئك المسؤولين عن إدارة الصحة والسلامة والعافية في سلسلة التوريد العالمية لعدد من الأسباب. قد يُتوقع بطبيعة الحال إجراء العمليات بشكل أساسي على مدار 24 ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع  و365 يوما في السنة، ما يؤدي إلى الحاجة إلى العمل بنظام الورديات والعمل لساعات غير اعتيادية. تشمل العمليات البرية، سواء كانت النقل البري أو التخزين أو الموانئ أو المحطات، عادة استخدام المعدات الثقيلة للتعامل مع البضائع ونقلها، الأمر الذي يزيد من المخاطر. وبحسب العديد من الحالات، لا يؤثر الإرهاق بشكل مأساوي على الفرد المعني فحسب، بل يؤثر أيضا على زملاء العمل وربما عامة الناس.

 

اقرأ أيضاً: تغير المناخ يهدد 90% من الموانئ الرئيسية بالعالم.. والخسائر 7.6 مليار دولار سنويًا

 

الآثار
وتشمل الآثار المفهومة للإرهاق انخفاض القدرة على اتخاذ القرار، والمهارات الضعيفة في الاتصال، وتدهور الانتباه والحذر، وردود الفعل الفاترة، وزيادة الميل إلى المخاطرة وإصدار الأحكام الخاطئة. لذلك ليس من الصعب ربط هذه التأثيرات بالمخاطر في مكان العمل، خاصة عندما يعمل الأفراد مع الآلات والمعدات المتحركة، أو عندما يحتاجون إلى الاستجابة بشكل حاسم للمواقف الديناميكية.

هناك عدد من العوامل البيئية المعروفة التي يمكن تقييمها وتعديلها، إذا لزم الأمر، من أجل التخفيف من مخاطر الإرهاق المرتبطة بها. على الرغم من عدم وجود قائمة شاملة، إلا أن الإضاءة الخافتة ودرجات الحرارة المرتفعة والمستويات العالية من الراحة، والمهام التي تتطلب فترات طويلة قد تساعد في هذا الشأن، أما المهام المتكررة أو الصعبة أو المملة أو الرتيبة يمكن أن تؤدي جميعها إلى زيادة مستويات الإرهاق.

من بين العديد من المصادر ذات المواد الجيدة التي يجب مراعاتها، فإن معظم سلطات الصحة والسلامة الوطنية، مثل هيئة/إدارة الصحة والسلامة في المملكة المتحدة UK HSE، قد جمعت معلومات قيمة في هذا الشأن.

المزيد من النوم ليس معيارا بسيطا
في حين أن الإجابة بسيطة بالطبع، إلا أن هذا ليس ممكنا تماما بالنسبة للكثيرين في هذه الصناعة؛ من الصعب تحقيق توازن مثالي بين العمل والحياة. إذن كم نحتاج من النوم؟ يختلف كل فرد عن الآخر، ولا ينبغي الاستهانة بهذا الموضوع، لكن الدراسات تشير إلى أن متوسط ما بين 7.5 و8.5 ساعة من النوم لكل 24 ساعة هو الأفضل. ومع ذلك، يتأثر هذا بالعمر ومستويات طاقة الشخص التي تم استخدامها خلال فترة الإستيقاظ الأخيرة إلى جانب عدد من العوامل الأخرى - لذلك فهي ليست معيارا بسيطا.

سيتأثر مقدار النوم الذي يحتاجه الفرد فعليا بعدة جوانب بما في ذلك معدل ضربات القلب وضغط الدم ودرجة حرارة الجسم. يتبع البشر بشكل طبيعي ساعة بيولوجية ودورة من النوم والإستيقاظ، التي تتماشى بشكل عام مع ساعات النهار.

تشير الدراسات إلى أن فترات الإرهاق الشديد تحدث عادة خلال الساعات التي نحتاج فيها إلى النوم بشكل غريزي، بين الساعة 23:00 والساعة 06:00. علاوة على ذلك، يعاني عمال المناوبة من قلة النوم لأن مواعيد نومهم تتغير عادة بشكل متكرر.

بالنسبة للعاملين الليليين، هناك مخاوف أخرى، ليس أقلها الحياة الأسرية، والتي ستستمر عادة خلال الفترات التي قد يسعون فيها إلى النوم – كالتحضير للمدرسة والمكالمات الهاتفية والمواعيد. فمجرد محاولة النوم خلال ساعات النهار قد يكون مشكلة، وتعتبر الستائر المعتمة حلا هنا.

التخفيف من المخاطر
في حين أن تحديد أعراض التعب يمكن أن يكون صعبا، إلا أن هناك عددا من الخطوات العملية التي يمكن اتخاذها من قبل كل من المؤسسة وأي فرد للتخفيف من المخاطر المرتبطة بها.

 

اقرأ أيضاً: في العدد 82 من مجلة ربان السفينة TT Clubيطرح مخاوف حول سلامة المستودعات وأمنها في الشرق الأوسط

 

خطوات تنظيمية

  • الانخراط مع القوى العاملة بأكملها لزيادة الوعي حول الإرهاق وتوفير اعتراف أوسع بهذه الظاهرة. تعمل معرفة وفهم القوى العاملة حول الإرهاق على تحسين القدرة على تحديد المشاكل الفردية.
  • سيكون إشراك الأفراد وتوعيتهم عاملا رئيسيا في الإدارة الفعالة للتغلب على الحواجز المتعلقة بـ”استراتيجيات المواجهة” الفردية و”العمل تحت وطأة الإرهاق بانتاجية قليلة”، حيث لا يكون الموظفون على دراية بالمخاطر ويستمرون في العمل.
  • تنفيذ أنظمة وتنبيهات مراقبة فعالة، تشمل القوى العاملة حيثما أمكن، والسعي بشكل خاص لتقسيم ورديات العمل مع الأخذ في الاعتبار مخاطر الإرهاق.

الخطوات الفردية 

  • التعامل مع النوم بجدية، وتطوير الفهم اللازم للمتطلبات الفردية في ظل الظروف العادية وغير الطبيعية وتخصيص وقت للنوم.
  • تقييم ترتيبات النوم؛ قد تساعد التغييرات الطفيفة، مثل الستائر المعتمة، في زيادة جودة النوم.
  • شرب الكثير من الماء وتجنب جفاف الجسم لأن ذلك يمكن أن يساعد في محاربة بعض آثار الإرهاق.
  • تناول كميات صغيرة من الطعام، خاصة أثناء ساعات الاستيقاظ غير الإعتيادية. هذا يمكن أن يحسن الهضم ويمنع النعاس.
  • الحد من تناول الكافيين، وتطوير فهم لكيفية تأثير الكافيين على الجسم ومدة بقائه في مجرى الدم، بما في ذلك تأثيره على القدرة على النوم.
  • الحفاظ على نمط حياة صحي بشكل عام إلى أقصى حد ممكن؛ ويمكن أن تساعد التمارين المنتظمة في مكافحة آثار الإرهاق.

لا شك إن تعزيز الاعتراف المجتمعي والثقافة المتعلقة بمخاطر الإرهاق يمكن أن يؤتي ثماره؛ فهو لا يتسم بالاحترام فحسب، بل يوفر أيضا السلامة للأفراد وزملاء العمل والعمليات بشكل عام.

مجلة ربان السفينة، العدد 85، مايو/ يونيو 2023، أخبار بحرية - تأمين بحري، ص. 46
 

 

اقرأ أيضاً

 العدد 85 من مجلة ربان السفينة

(May/ June 2023)

 

أخبار ذات صلة