في حين تتجه المنظمة البحرية الدولية نحو أهداف بيئية بالغة الأهمية مع خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 50% وخفض كثافة انبعاثات الكربون بنسبة 70% بحلول عام 2050، فإن صناعة النقل البحري تدرك قدرتها على لعب دور قيادي في تغيير تأثير الانبعاثات على البيئة، مع تبني واسع النطاق لأنظمة الدفع الخضراء ومصادر الطاقة البديلة.

إذا ما الذي ينتظر الصناعة البحرية في ظل مشهد الحلول والتقنيات الخضراء؟ يناقش فريق “ربان السفينة”  في هذا العدد حلول الدفع الخضراء ودورها في تخفيف استهلاك الوقود، من خلال الاطلاع على أحدث الابتكارات والاتجاهات والامتثال البيئي، ونقاشات كبار الخبراء في هذا المجال.

Bjarne Foldager Marcus Hogblom 

يتحدث Bjarne Foldager، رئيس قسم أعمال المحركات ثنائية الأشواط في شركة MAN Energy Solutions الألمانية عن التحول القائم في مجال الطاقة البحرية، التزاما بمواعيد المنظمة البحرية الدولية ولوائح انبعاثات الكربون: “في تحليل تم إجراؤه حديثا مع اتحادات الصناعة الألمانية VDMA و VSM، أظهرنا  مع توفير الإطار التنظيمي المناسب أنه، على الأقل في أوروبا، يمكن أن يكون النقل البحري محايدا مناخيا بحلول عام 2045. سيكون هذا أسرع بكثير مما توقعته المنظمة البحرية الدولية، ولكنه قد لا يكون بالسرعة الكافية.”

بينما يظل النقل البحري أفضل خيار نقل من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يعتقد Foldager أن هناك حاجة إلى تقليل تجاوز الانبعاثات 2050 الحتمية من خلال تسريع التشريعات المتعلقة بغازات الاحتباس الحراري تماشيا مع أهداف محددة وطموحة: “الصناعة البحرية بحاجة إلى تشجيع استخدام الوقود المزدوج في السفن قيد البناء، وفي الوقت نفسه التركيز على الأسطول الحالي الذي يستخدم الوقود الأحفوري والتشجيع على إجراء التحديثات الخضراء.” 

ونظرا لعدم وجود عقبات تكنولوجية لتشريعات ثاني أكسيد الكربون وفقا لـ Foldager، يتم تطوير التقنيات التكنولوجية باستمرار لمزيد من إجراءات إزالة الكربون من النقل البحري: “على سبيل المثال، في شهر أغسطس من هذا العام، وقعنا مذكرة تفاهم مع Stena Line وProman لمشروع ينظر في التعديل التحديثي لمحركات MAN 48/60 بواسطة استخدام الديزل والميثانول. كما اكتسبنا مرجعا جديدا لمحركاتنا 32/44CR التي ستشكل جزءا من نظام الدفع الهجين الكهربائي - الديزل للقوات البحرية الألمانية.”

من جهته، يقول Marcus Högblom، رئيس قسم سفن الركاب في ABB Marine & Ports، أن الحلول الإلكترونية والرقمية تساعد الصناعة على تحقيق أهداف طموحة لخفض الانبعاثات. من خلال مزيج من هذه الحلول التي تغطي تقنيات الدفع وتوليد الطاقة والتوزيع والاتصال بالبر، يمكن للمشغلين تعزيز الكفاءة بشكل كبير وتقليل الانبعاثات على مستوى الأسطول، وبذلك يساهمون في تحقيق النقل البحري المستدام بما يتماشى مع طموحات المنظمة البحرية الدولية.

“بصفتها شركة عالمية رائدة في مجال التكنولوجيا، تعمل ABB على توفير حلول الطاقة السفن منذ أكثر من 110 عاما - واليوم، تعتمد أكثر من 1300 سفينة على حلولها الكهربائية والرقمية، والتي تشمل نظام الدفع Azipod®، القائم على محرك الدفع الكهربائي، والذي يعزز قدرة السفينة على المناورة ويحقق وفورات في الوقود تصل إلى 20% مقارنة بأنظمة المحركات التقليدية. على أساس سنوي، تساهم هذه التكنولوجيا في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 10000 طن لكل سفينة.”

يندمج Azipod® بسلاسة مع المعدات الموجودة على متن السفينة، مع نظام التحكم في الدفع من ABB الذي يضمن الاتصال بين الأنظمة الموجودة على متن السفينة ونظام إدارة القوة والطاقة PEMS™ الذي يتحكم بتوزيع الطاقة بشكل عام. يتيح الجمع بين Azipod® ونظام الدفع الكهربائي من ABB إمكانية إعداد المعدات من أجل تحقيق الأداء الأمثل، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة وتقليل الانبعاثات.

مزيج من الحلول
في حديثه عن انتشار تبني الطاقة الخضراء، يوضح Elias Boletis، كبير المستشارين ورئيس قسم التسويق لحلول الدفع في Wärtsilä ، أن استهلاك طاقة أقل، بالإضافة إلى التوسع في استخدام الطاقة الخضراء يقللان من احتياجات استهلاك الوقود ويجعلان إدخال أنواع جديدة من الوقود منخفضة الكربون أقل تعقيدا، لذا فإن المهمة الأساسية تتمثل بتصميم الحلول الخاصة بكل نوع من أنواع السفن.

في السياق نفسه، يعتقد Torsten Büssow، مدير الحلول الكهربائية للسفن في Wärtsilä، أن مساهمة هذه الأنظمة في رؤية المنظمة البحرية الدولية لانبعاثات الغازات الدفيئة تتطلب مزيجا من التقنيات، مشيرا إلى أن تقنية واحدة لن تكفي لآداء المهمة؛ فالأمر يتطلب مزيجا من الحلول التي ستساعد في تحقيق الهدف، باستخدام طاقة أقل أو المزيد من الطاقة الخضراء لإبحار بالسفينة.

Torsten Bussow Elias Boletis

التقنيات
يمضي Büssow في تسليط الضوء على بعض أحدث تقنيات الدفع الخضراء: “في الوقت الحالي، تقوم جميع السفن بتنفيذ خطوات لزيادة أنظمة الدفع الخاصة بها والتي تعمل على الطاقة الكهربائية، لتكون أكثر مرونة وجهوزية للمستقبل. 

على المستوى نفسه، يعد نظام الدفع الهجين، الذي يحتوي على مصدر طاقة ثان للمحرك (بطارية أو خلية وقود) من أكثر أنواع أنظمة الدفع مرونة، ولهذا السبب تلجأ إليه العديد من السفن، بما في ذلك السفن التجارية التقليدية.” هناك مجموعات لا حصر لها من الحلول البديلة التي تعتمد على نوع السفينة وسياق تشغيليها، وفقا لـ Büssow؛ مثلا تستخدم سفن الدحرجة - الركاب RoPax أو سفن السيارات والشاحنات PCTC الدفع الهجين الذاتي الطاقة، في حين يمكن لسفينة البضائع السائبة استخدام أنظمة الدفع بواسطة الرياح أو أنظمة التزييت الهوائي لتخفيف قوة الإحتكاك.

في السياق نفسه، تمضي الحلول الخضراء قدما مع اتفاقيات تعزز هذه التقنيات في الصناعة البحرية وتقود طاقة الرياح كطريقة لخفض تكاليف الوقود وانبعاثات الكربون. مؤخرا، تم توقيع اتفاقية بين شركة Berge Bulk  وشركة .Anemoi Marine Technologies Ltd
لتزويد وتجهيز سفينتي بضائع جافة في أسطول Berge Bulk بواسطة “الأشرعة الدوارة Rotor Sails”، وهي أسطوانات دوارة على متن السفن لتوليد قوة دفع. ستتبع السفينتان Berge Neblina و Berge Mulhacen النهج المرن نفسه الذي يجعلها جاهزة لأنظمة الدفع بواسطة الرياح، من خلال تركيب أربعة أشرعة دوارة عملاقة من Anemoi بهدف تحسين أداء السفينة.

وتعليقا على الاتفاقية، يؤكد Kim Diederichsen الرئيس التنفيذي لشركة Anemoi Marine Technologies ، أن هذه الخطوة هي تأكيد إضافي أن مالكي السفن ذوي التفكير المستقبلي يتجهون إلى أنظمة الدفع بواسطة الرياح لمساعدتهم على تحقيق أهدافهم البيئية - وهذا يثبت، بحسب Diederichsen، أن الأشرعة الدوارة هي حل واقعي وعملي ينتج عنه توفير كبير في انبعاثات الكربون.

الحلول الخضراء أمام التحديات
من ناحية الوقود، يتوقع Foldager أن تلقى سوق الوقود الأخضر اهتماما كبيرا خلال العقد المقبل، وعلى وجه التحديد الميثانول والأمونيا، حيث سيزداد الطلب على الوقود الأخضر للنقل البحري بشكل حاد، مما سيؤدي إلى فجوة في العرض قد تؤدي إلى نقص في الوقود الأخضر وبالتالي الحد من إزالة الكربون. “يظهر تحليلنا أن العرض والطلب على الميثانول الأخضر والأمونيا الخضراء متوازنين حتى عام 2025 عندما يتوقع أن يتوسع انتشار استخدام الميثانول، وفي ذلك الوقت ستكون الأمونيا قد باتت في متناول السوق”. 

ويضيف: “في هذا الصدد، فقد أعلنت MAN Energy في وقت سابق من عام 2022 أنها تخطط لاستثمار ما يصل إلى 500 مليون يورو في الشركة التابعة لها H-TEC SYSTEMS والمتخصصة في الهيدروجين، حيث نرى أن الهيدروجين الأخضر سيصبح أحد أهم مصادر الطاقة على مستوى العالم خلال الخمس أو العشر سنوات القادمة.”

هذه التوقعات ترجح ضرورة تبني الهيئات التنظيمية لوائح تدعو إلى تخصيص رؤوس أموال لإنتاج أنواع بديلة من الوقود الأخضر، بهدف سد الفجوة بين الطلب المتوقع والعرض الفعلي للوقود الأخضر حتى عام 2050، بحسب ما يؤكده Foldager: “يتطلب النقل البحري كميات كبيرة من الوقود البديل وبالتالي قابلية للتوسع، ويجب علينا إنشاء شراكات مع شركاء الصناعة ذات التفكير المشابه لقيادة عملية إزالة الكربون لأن عملية التحول كبيرة وتتطلب تعاون العديد من الجهات.”
 

اقرأ أيضاً

 العدد 81 من مجلة ربان السفينة

(سبتمبر/ أكتوبر 2022)

 

 

اقرأ أيضاً

 العدد 81 من مجلة ربان السفينة

(Sept./ Oct. 2022)

 

أخبار ذات صلة