من المتوقع أن تُحدث السفن المؤتمتة تحولا جذريا في موانئ العالم، إذ تعِد بزيادة الكفاءة وتعزيز مستويات السلامة، فضلا عن توافقها الكبير مع تقنيات أتمتة الموانئ وأنظمة الإرساء الذكية. ومع ذلك، تطرح هذه السفن تحديات جديدة تتعلق بالتنظيم، وتحديد المسؤوليات، والأمن السيبراني. لذا، على مشغّلي الموانئ الاستعداد للتكيّف مع هذه المتغيرات لضمان الاستمرارية، وقد تكون الخطوة الأولى المثلى هي تحديث أسطولهم الخاص من قوارب العمليات.
التطورات التنظيمية
تخطط المنظمة البحرية الدولية (IMO) لجعل مدونتها الجديدة للسفن السطحية المؤتمتة (MASS) غير إلزامية اعتبارا من عام 2026، على أن تصبح إلزامية بحلول عام 2032. وتهدف هذه المدونة إلى معالجة الجوانب التشغيلية لهذه الفئة من السفن، والتي لا تغطيها اللوائح والاتفاقيات الحالية الصادرة عن المنظمة، نظرا لتركيزها التقليدي على العنصر البشري. وستشمل المدونة تحديد أربعة مستويات من الأتمتة، تبدأ من الأنظمة المؤتمتة ودعم اتخاذ القرار، وهي تقنيات موجودة بالفعل في عدد من السفن الحالية، وصولا إلى الأتمتة الكاملة المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI).
ومن أبرز التغييرات التنظيمية المرتقبة: إعادة تعريف مصطلحات أساسية مثل "الربان"، و"الطاقم"، و"الشخص المسؤول"، إلى جانب تحديد دور وكفاءات طاقم السفن السطحية المؤتمتة (MASS). كما تشمل التغييرات وضع متطلبات لمحطات التحكم عن بُعد، واعتماد معايير للمشغلين عن بُعد، فضلا عن معالجة قضايا المسؤولية المرتبطة بالجهات الفاعلة الجديدة، مثل مزودي الشبكات ومطوري الأنظمة، وضمان الاتساق في استخدام المصطلحات المتعلقة بالمسؤولية القانونية.
تحولات في المسؤولية
ستُعيد السفن المؤتمتة وغير المأهولة رسم ملامح المسؤولية في الحوادث البحرية، لا سيما في حالات الاصطدام بالبُنى التحتية للموانئ. ففي السابق، كانت دقة الملاحة تعتمد على مهارة البحّارة المتواجدين على متن السفن، أما الآن، بالنسبة للسفن غير المأهولة، فقد تنتقل هذه المسؤوليات إلى محطات التحكم البرّية أو إلى مطوري البرمجيات. وهو ما يعني توسيع دائرة المسؤولية لتشمل جهات جديدة، مع تحديد مهام مختلفة لكل طرف.
ومع ظهور السفن التي تتمتع بخاصية الإبحار الذاتي، ستتغير خارطة المسؤوليات القانونية بشكل جذري. فقد تختفي العديد من المخاطر التقليدية المرتبطة بالطاقم، وتقل احتمالات الأخطاء البشرية خلال عمليات نقل البضائع. ومع ذلك، ستبقى بعض الالتزامات التعاقدية قائمة، مثل التزام ملّاك السفن بضمان صلاحية السفينة للإبحار. في المقابل، ستبرز مخاطر جديدة وغير متوقعة، تتعلق بأمن مراكز التحكم البرّية والمعايير العالمية للبرمجيات، مما يفتح الباب أمام قضايا معقدة تتعلق بالمسؤولية عن المنتجات، أو المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن الخلل البرمجي أو الأعطال الميكانيكية.
الأمن السيبراني
تعتمد السفن المؤتمتة بشكل كبير على الاتصال عالي الكفاءة، ما يجعل الأمن السيبراني عنصرا بالغ الأهمية في تشغيلها. ورغم أن حوادث الأمن السيبراني في القطاع البحري لا تزال نادرة نسبيا حتى الآن، فإن المشهد يشير إلى تحولات سريعة. فمع الاعتماد المتزايد على التقنيات المتقدمة وشبكات الاتصال المعقّدة، تزداد احتمالات التعرّض للهجمات السيبرانية بشكل ملحوظ.
يُعد التفاعل بين الطواقم الموجودة على البر والسفن المؤتمتة أحد أبرز مصادر القلق، إذ إن إصدار الأوامر التشغيلية من مواقع بعيدة يفتح المجال لهجمات سيبرانية محتملة. ولا شك أن التحوّل نحو الأتمتة يتطلب دفاعات سيبرانية أكثر قوة وتطورا.
القوارب المؤتمتة في الموانئ
في الوقت الذي تُجرى فيه تجارب على السفن المؤتمتة في أنحاء مختلفة من العالم، مثل سفينة الحاويات Yara Birkeland التي تم تدشينها في النرويج عام 2020، شهدت السفن الصغيرة والمتخصصة التي تستخدمها الموانئ بالفعل مستويات متقدمة من الأتمتة. ويشمل ذلك قوارب الإرشاد، قوارب الإطلاق، القاطرات، الحفارّات، وسفن المسح البحري.
عادة ما تتطلب هذه الأساطيل طواقم عمل على مدار الساعة، ما يجعل تشغيلها مكلفا نظرا لأجور العمل، وتكاليف التدريب، وصعوبات وضع جداول المناوبات. لكن النسخ المؤتمتة من هذه السفن يمكن أن تقلل من التكاليف، كما أنها تعمل دون انقطاع أو تعب، وتُقلل من المخاطر في الظروف الصعبة، وتوفر دقة ميكانيكية تفوق قدرات البشر. هذه القدرات التشغيلية المتزايدة يمكن أن تعزز إنتاجية الميناء بشكل كبير دون الحاجة إلى توسيع البنية التحتية.
ومع ذلك، فإن الأنظمة المؤتمتة، رغم تفوقها في العمليات الروتينية، فإنّها قد تواجه صعوبة في التعامل مع الحالات غير المتوقعة التي يتعامل معها البحّارة المتمرسون بحدسهم. فالإخلاء الطبي الطارئ، أو الأعطال الميكانيكية المفاجئة، أو الأحوال الجوية غير المعتادة، قد تستلزم تدخّلا بشريا، ما سيجبر الموانئ على تشغيل أساطيل هجينة تجمع بين العنصر البشري والتقني لفترة انتقالية طويلة.
خاتمة
يمثل اعتماد السفن المؤتمتة أحد أكبر التحديات الاستراتيجية التي تواجه مشغلي الموانئ. الذين ينجحون في التكيف مع هذا التحول، باستخدام قوارب العمليات الخاصة بهم، سيحققون وفورات كبيرة في التكاليف ويعززون قدراتهم التشغيلية..
فالسؤال لم يعد: هل سيحدث هذا التحول؟، بل: أيّ الموانئ ستزدهر في هذا العالم البحري الجديد القائم على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء؟
يؤكد نادي تأمين قطاع النقل العالمي واللوجستيات TT CLUB، بأن الشراكة والتعاون هما الطريق الأمثل نحو انتقال ناجح إلى الأتمتة ورقمنة العمليات. ومن خلال العمل عن قرب مع أعضائه من مشغلي الموانئ، سيواصل النادي تطوير تغطيات تأمينية تواكب تعقيدات السفن المؤتمتة وتتكيف معها.
لقراءة المحتوى كاملا إضغط على الرابط التالي : مجلة ربان السفينة، العدد 98،يوليو/ أغسطس 2025، لقاء بحري، ص. 36 |