شهدت البحرين خطوة صناعية واستراتيجية بارزة، عقب توقيع حوض العرب لبناء وإصلاح السفن (ASRY) اتفاقيتين كبيرتين مع مجموعة فينكانتيري الإيطالية، أحد أبرز صُنّاع السفن في العالم، ومع شركة روبوز المتخصصة في التصنيع الإضافي عالي الدقة. وتُمهّد هذه الشراكات لإعادة رسم موقع البحرين في منظومة البناء البحري، والإصلاح الصناعي، والإنتاج المتقدم في منطقة الخليج.
وجرت مراسم التوقيع بحضور الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء البحريني، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في إشارة واضحة إلى أن الأمر يتجاوز مجرد صفقة تجارية، ليعكس توجهاً استراتيجياً على مستوى الدولتين.
تعاون نوعي في بناء السفن الدفاعية
يفتح الاتفاق مع فينكانتيري الباب أمام تطوير مشترك لبناء سفن سطحية يصل طولها إلى 80 متراً، بما في ذلك وحدات موجّهة للبحرية البحرينية وخفر السواحل. كما يشمل التعاون دراسة مشاريع لسفن الدورية البحرية، وآفاق التصدير لدول الخليج، إلى جانب مجالات الصيانة والتحديث، والتصميم، وتطوير تقنيات عمليات بناء السفن.
ويمثل هذا التوجه تحوّلاً مهماً لدول المنطقة التي اعتمدت تاريخياً على استيراد القطع البحرية الجاهزة، في حين يشير الاتفاق الجديد إلى رغبة متزايدة في امتلاك قدرات محلية لبناء السفن وتطويرها.
مركز صناعي متقدم في التصنيع الإضافي
أما الاتفاق الثاني مع شركة روبوز فيحمل دلالة استراتيجية أعمق، إذ ينص على إنشاء أول منشأة صناعية متقدمة للتصنيع الإضافي في البحرين، داخل مجمع ASRY الصناعي. وستركز هذه المنشأة على إنتاج بوليمرات مركّبة ومواد تقنية عالية الأداء تُستخدم في الصناعات البحرية والطيران والطاقة.
هذا النوع من التصنيع الإضافي ليس طباعة ثلاثية الأبعاد للاستخدامات البسيطة، بل هو إنتاج دقيق لمكوّنات عالية المتانة يمكنها أن تحل محل المعادن، وتقاوم الظروف البحرية، وتختصر فترات الإصلاح بشكل كبير. وقد صنّفت البحرين هذا المجال ضمن “التقنيات الإستراتيجية ذات الأولوية”، ما يعزز موقعها في اقتصاد صناعي متطور.
كما سيشمل التعاون تقديم خدمات الصيانة والإصلاح والتحديث (MRO) للسفن البحرية والتجارية ومنشآت الطاقة البحرية، إلى جانب تبادل الخبرات في مجالات تصميم السفن وتحسين عمليات الإنتاج.
تعزيز القدرات الذاتية في الخليج
وأكد الرئيس التنفيذي لـ ASRY، الدكتور أحمد العبري، أن هذه الشراكات ترسّخ مكانة الشركة كمركز رائد للتصنيع والإصلاح في الخليج، فيما شدد الرئيس التنفيذي لـ Roboze أليتشيو لوروسّو على أن التعاون يستهدف عمليات صناعية فعلية وليس مشاريع تجريبية.
وتكشف هذه الخطوة عن رؤية بحرينية أوسع تهدف إلى بناء قدرات صناعية محلية، وليس مجرد شراء سفن أو معدات من الخارج. ففي ظل المنافسة المتصاعدة على النفوذ في الخليج والمحيط الهندي، باتت القدرة البحرية تعتمد بشكل متزايد على امتلاك صناعة محلية متقدمة، وبنية تحتية قوية للصيانة، وإمكانية الحفاظ على جاهزية الأسطول دون انتظار قطع غيار مستوردة.
وبهذا، تضع البحرين نفسها في مسار جديد نحو تعزيز استقلاليتها الصناعية وتطوير قاعدة إنتاجية قادرة على خدمة الاحتياجات الوطنية والخليجية في المجال البحري والدفاعي على حد سواء.






